بالنسبة لنا كآباء وأمهات شعور الندم بعد الغضب والصراخ على أطفالنا أو إيذائهم بالضرب دون وعي قد يكون أسوء شعور يمر علينا في رحلتنا التربوية والتعليمية مع أبنائنا، ولكن المفاجأة أن هذا الشعور يُعد شعوراً طبيعياً في النفس البشرية، الذي يفرق بيني وبينك وبينها هو نسبة الشعور وطريقة تعبيرنا عنه وتفاعلنا وتعاملنا معه.
والشيء الذي لا يعلمه الكثير منا هو أنه إن كانت عشوائية التعامل مع هذا الشعور مصاحبة لنا أثناء تربيتنا فسيكون لها آثار وخيمة وكارثية على أطفالنا في المستقبل، ولا تظهر جميع هذه النتائج مرة واحدة، بل قد تظهر بعضها اليوم، وبعضها بعد سنة، وبعضها بعد 10 سنوات.
لماذا يصعب التحكم بالغضب مع الاطفال؟
العملية معقدة قليلاً، ولكن يمكننا طرح بعض الخيوط نحاول من خلالها توعيتك بشكل أفضل حول بعض الأسباب التي قد تُشكل تحديات في طريقنا لتطوير أنفسنا من أجل التحكم بالغضب مع الاطفال وإدارة انفعالاتنا معهم:
تشكيلة العادات المسبقة
أغلبنا وإن لم يكن جميعنا يعلم أن العادة هي التي تحكم الإنسان، وسلوك المخلوق البشري هو عبارة عن عادات صغيرة عديدة تُشكل النتائج الظاهرة التي نراها أمامنا، لذلك من أولى الأسباب التي تمنعنا من التحكم بالغضب مع الاطفال هو أنه تشكلت لدينا عادات -بشكل لا واعي- تجعلنا نتفاعل ونُبدي ردود أفعال محددة بشكل سريع تجاه المواقف والأحداث التي نمر بها.
خليط الأفكار والمشاعر
في علم النفس السلوكي، يُقال بأن سلوكنا غالباً ما ينبع من مشاعرنا، ومشاعرنا غالباً ما تتشكل من أفكارنا، فلذلك نحن اعتدنا على نمط معين من دائرة (الأفكار ثم المشاعر ثم الأفعال) والتي من خلالها بسرعة هائلة تتحول إلى سلوكيات وعادات متكررة ودائمة الممارسة دون وعي منا، فكلمة السر في التعامل مع هذا السبب هو “إدارة الأفكار”. وهذا الجانب الأول من خليط الأفكار والمشاعر المتسبب لعدم قدرتنا على التحكم بالغضب مع الاطفال.
وأما الجانب الآخر هو المتعلق بأفكارنا وقناعاتنا عن أنفسنا، وأفكار الآخرين الظاهرة عنا، نحن كثير مننا يمتلك أفكار وقناعات راسخة بأن الإنسان العصبي أو الذي يغضب كثيراً لا يستطيع تغيير طبعه، أو هذه هي شخصيته الراسخة التي لا يُمكن تغييرها أو تعديلها، وهذه الفكرة خطيرة جداً، وخطرها الأكبر يكون عندما تنتقل عدوى هذه الأفكار إلى أفكارنا نحن كأشخاص نواجه تحدي التحكم بالغضب مع الاطفال، حينها لن نستطيع إطلاقاً التخلص من العصبية على الأطفال بسبب أننا مقتنعين بأن هذا طبعنا ولا نستطيع تغييره، وفكرتنا عن أنفسنا أننا لا يمكننا التطور ولا يمكننا الصبر على ذلك.
كيف نستطيع التحكم بالغضب مع الاطفال؟
إن كنت ممن يُعاني من ويواجه هذا التحدي في تربيته لأطفاله أو تعامله معهم، فقد وصلت -بإذن الله- إلى أول طريق الحل الذي إن أخذته بمحمل الجد، وعملت دون كلل أو ملل، وصبرت بكل ما أوتيت من قوة، سيُوفقك الله سبحانه وتعالى إذا شاء في تحقيق هدفك:
التقبل وعدم القبول بوعي
يجب أن تعلم وتؤمن بأن شعورك هذا الذي يُراودك كثيراً مع أطفالك هو شعورٌ طبيعي، وأن السيء ليس أنت، بل السيء هو أسلوبك وطريقتك في التعامل مع هذا الشعور. لذا تقبّل شخصيتك، وعيبك، والواقع الحقيقي الذي أنت فيه، ولكن احذر من قبوله، فيوجد فرق كبير بين (التقبّل والقبول)؛ تقبّل لكي تتصالح مع نفسك حتى تُساعدك نفسك في التعامل بشكل صحيح والتفكير بشكل سليم واتخاذ القرارات الصحيحة، ولكن لا تقبل الوضع الغير صحيح.
القناعة والإيمان
تحتاج إلى أن تمتلك القناعة التامة، والثقة والإيمان التام -بالله سبحانه وتعالى أولاً- ونفسك ثانياً، بأن يُمكنك تماماً ولديك القدرة الكاملة لفعل ما تُريد -بعد مشيئة الرحمن- وعلاج المشكلة، والدليل هو وجود أناس آخرون فعلوا ذلك، فإن كان هناك أشخاص أخرين فعلوها، فيُمكنك فعلاً بإذن الله. ولكن فقط يحتاج إلى الصبر والوقت وتجربة أساليب كثيرة للوصول إلى خلطة فريدة خاصة بك تُشكلها من تجاربك في التعامل.
التقرب من الخالق
اقترب من رب العالمين واجعل للدعاء حصة، فلا تنسى أنه هو مسبب الأسباب، فإذا كانت علاقتك به ضعيفة، ودعائك له قليل، فكيف تتوقع أن يُسخّر لك أسبابه لتفريج همك؟
التعلّم والتدرّب
خصص لنفسك وقتاً يومياً للتعلم واكتساب المعلومات والمعرفة عن التعامل مع الذات والمشاعر والأفكار، وننصحك بمواضيع مثل الذكاء العاطفي (وكتاب مثل “إدارة التفكير” بقلم “ماري جيه لور”/و “كيف تتحكم في غضبك قبل أن يتحكم فيك” بقلم “د. ألبرت إليس”)، وبالتعمّق بالمواضيع المتعلّقة بإدارة الأفكار والمشاعر التي تُولّد أفعالنا أكثر من إدارة الأفعال، لأن المواقف وردود فعلنا هي نِتاج أفكارنا التي تتحول إلى مشاعر بمرور الوقت.
تقوية العلاقة معهم
اجعل علاقتك بأطفالك قوية في الأوقات الهادئة، عبر اللعب معهم وقضاء الوقت الإيجابي الممتع معهم، والاستماع لهم باهتمام وحب، وإشباع حاجاتهم العاطفية.
واجعلهم يتلقون منك اعتذاراً على ما أخطأت به معهم، وبمعايير ونسبة معيّنة قد تجعلهم يعرفون -بحسب عمرهم وشخصيتهم ونفسيتهم- بأنك تُجاهد نفسك وتعمل على التخلص من صفة الغضب السيئة.
أكمل القراءة حول: كيف اتعامل مع اطفالي بهدوء؟ 6 تقنيات فريدة ومفيدة
في الختام
مع مرور الوقت ستبدأ رويداً رويداً برفع الوعي والمعرفة والمهارة بشكل كبير جداً، وتبدأ بالوصول إلى خلطة خاصة بك تصنعها من فهمك ووعيك بنفسك أكثر، ومن تجربتك لأساليب كثيرة، ومن قراءتك عن علم الذكاء العاطفي “الأفكار والمشاعر والأفعال وإدارتهم”.
وفقنا الله وإياكم.
معاً نحو #بناء_أجيال_المستقبل 🎯
المصدر: فلذاتنا