كونك أب أو أم، أو مربي، حتماً ستكون تساءلت يوماً ما عن السر الذي يجعل الطفل سعيداً، واثقاً بنفسه، وقادراً على مواجهة التحديات، وذلك لا يتم بتأمين المعيشة الكريمة من الناحية المالية والرعاية المادية الجافة فقط، بل إن السر الأساسي خلف ذلك باختصار وبساطة هو منح الحب للاطفال.
في العصر الحديث الذي نعيش فيه أصبح هم أغلب الآباء وبعض الأمهات الأول هو تلبية الاحتياجات المادية لأطفالهم غافلون عن الجانب الأهم والأعلى تأثيراً على حياتهم ونفسياتهم وشخصياتهم، ألا وهو الحب والاهتمام بهم، ومن هنا يخرج مصطلح الإهمال العاطفي في التربية.
واليوم سنُحاول تغطية الجوانب الأساسية من هذا الموضوع ابتداءً من تعريف مبسط للإهمال العاطفي، وصولاً إلى أبرز الآثار الخطيرة لهذا الإهمال، وختاماً بأهم الأساليب التي نمنح بها أطفالنا الحب، ونعبر بها عن اهتمامنا بهم.
معنى الإهمال العاطفي في التربية
الإهمال العاطفي هو عدم الاهتمام بمشاعر وعواطف أطفالنا، وعدم منح -بالقدر الكافي والوافي- الحب للاطفال وإشباع الحاجات العاطفية المختلفة لهم، فأطفالنا منذ أول يوم لهم على هذه الحياة، يحتاجون كميات هائلة من الحب باستمرار، وكلمة “يحتاجون” لا تعني هنا الحاجة الواعية أو الحاجة العادية، لا؛ بل هي الحاجة الماسة الفطرية الطبيعية له. فمن دون ذلك الحب لن يكون نمو الأطفال سليماً، وسيتسبب ذلك الإهمال تدميراً وشرخاً كبيراً في شخصية ونفسية وعاطفة الطفل.
وهذه بعض من أنواع التعبير عن وإظهار الحب للاطفال التي كثير مننا قد يُهمل بعض الجوانب منها دون وعي:
- العناق
- القبلات
- الكلمات
هذه بالطبع ليست جميع الأنواع، ولكنها الأبرز والأعلى أهمية، فكل واحدة منهم توصل رسالة شعوراً محدداً للطفل ونتيجتها الحب، مثلاً العناق يبني شعور الأمان والاستقرار “وخصوصاً العاطفي”.
آثار التقصير في منح وإظهار الحب للاطفال
للأسف الشديد هو أن النمط الفكري السائد لدى نسبة ليست بقليلة من مجتمعنا هو أن الحب لا يجب إظهاره للأطفال بحجة “الدلال”، ويخلطون بين مفهومي الحزم والمرونة، والحب، فخلطة الحزم والمرونة هما الذان يُشكّلان الشخصية السوية البعيدة عن الدلال، بينما الحب هو حاجة فطرية طبيعية أساسية لدى كل إنسان على وجه الأرض عموماً، ولدى الأطفال والمراهقين خصوصاً.
فإن كان البالغين تظهر لديهم مشاكل وعقد نفسية عديدة نِتاج الضعف العاطفي لديهم، فكيف بطفلٍ لا زال في مرحلة النمو وتشكيل شخصيته وبناء عاطفته واكتمال عقليته.
لذلك أذكر لكم بعض من الآثار التي تظهر كأعراض في كثير من الأحيان لمشكلة الإهمال العاطفي وعدم منح الحب للاطفال، بعض هذه الآثار تظهر بشكل فوري أو قريب، وبعضها قد يظهر على المدى الطويل في مستقبل الابن وفي حياته المستقلة لاحقاً:
تأخر النمو
من ضمن أولى الآثار القريبة التي تظهر حينما نُهمل منح الحب للاطفال هي التأخر في النمو لديهم في مختلف الجوانب، الاجتماعي، العاطفي، العقلي، وذلك لأن الحب هو يُعد بمثابة وقود البناء السليم له، إن لم يكن ذلك الوقود متاحاً بالكميات المطلوبة، والأوقات المطلوبة، فإن نمو الطفل وازدهاره سيتأخر، وخصوصاً في السنوات الأولى من حياته.
ضعف الثقة بالنفس
من ضمن الآثار الخطيرة والتي تظهر في كثير من الأحيان ابتداءً من مرحلة الطفولة المتوسطة أو المتأخرة ووصولاً إلى المراهقة هي انخفاض ثقته بنفسه بشكل كبير، لأن الطفل من خلال الحب والاهتمام به يشعر بقيمته وأهميته ويرتفع تقديره لذاته، لذلك عكس ذلك يجعل ثقته بنفسه ضعيفة، وتقديره لذاته شبه معدوم، ونظرته لنفسه متدنية، وهذه جميعها تكون بنسب متفاوتة ومختلفة بحسب الطفل وبحسب أساليبنا التربوية ونسبة إهمالنا العاطفي.
اللامبالاة والاستهانة بالعواطف
ووصلنا إلى واحدة من أخطر آثار إهمال منح الحب للاطفال، والتي غالباً ما تبدأ بالظهور في مرحلة المراهقة والشباب فما فوق، وللأسف الشديد النسبة الأكبر من هذا الأثر سيكون على حياته الزوجية المستقبلية.
وهي اللامبالاة، وعدم التعامل مع مشاعر الآخرين وعواطفهم بجدية، وذلك لا ينتج عن إهماله عاطفياً وعدم منحه الحب في طفولته فقط، بل عن الاستخفاف بمشاعره، عبر النظر إلى مشاعره وعواطفه بنظرة متدنية وعدم الاهتمام بها، بل وتجاهلها. وذلك ما يتسبب في خوف الطفل من إظهار تلك المشاعر والتعبير عنها ثم كبتها.
قد تُفيدك قراءة: التحكم بالغضب مع الاطفال.. 5 أسرار ستُنهي معاناتك !!
طرق إظهار الحب للاطفال
- الاستماع والانصات: من أولى الأساليب التي نعبر بها عن حبنا واهتمامنا بأطفالنا هي الاستماع لهم، فالاستماع هو مفتاح قلب الطفل، ويجب أن يكون استماعاً فعالاً باهتمام.
- التواصل الجسدي واللمس: ذلك يتم عبر (العناق، القبلات على أيديهم ورؤوسهم، المسح على رؤوسهم.
- قضاء الوقت الإيجابي الممتع: قضائنا للوقت بإيجابية واستمتاع بعيداً عن الأساليب المنفرة والمدمرة في التواصل (كالصراخ واللوم والنقد) يُساهم بشكل كبير جداً في تقوية العلاقة معهم وإظهار حبنا لهم.
- المساواة بين الأطفال: إن كان لديك أكثر من طفل، فإن المساواة والعدل بينهم له دور كبير في إحساس الأطفال بأهميتهم وباهتمامنا بهم.
في الختام
وأخيراً نستنتج من جميع ما تم ذكره أعلاه أن إظهار الحب للاطفال والتعبير عنه بأساليب محسوسة يفهمها الطفل ويعرف بأن وجوده له أهمية بالنسبة لنا يُساهم ويُساعد بشكل كبير جداً في النمو السليم للطفل وبناء نفسية قوية لديه.
وكذلك أصبحنا نعلم بأن إهمالنا لهذا الجانب الأساسي في التربية له آثار وخيمة وخطيرة جداً على مستقبلهم القريب والبعيد، بل وعلى مستقبل محيطهم، حيث أن ما نغرسه ونتعامل به اليوم مع أطفالنا -سواءً سلباً أو إيجاباً- سنحصد جزء من نتائجه نحن غداً، وسيحصد بقية نتائجه الابن بذاته والمحيط الاجتماعي بعد غداً.
معاً نحو #بناء_أجيال_المستقبل 🎯
المصدر: فلذاتنا